بقلم: محمود سعيد برغش
تمر علينا في كل عام أيام عظيمة، هي الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، التي اختصها الله سبحانه وتعالى بالفضل والبركة، ورفع شأنها، وأمر عباده باغتنامها والتقرّب إليه فيها بكل عمل صالح.
فضل هذه الأيام في القرآن الكريم
لقد أقسم الله بها في كتابه الكريم، فقال:
> "وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ" [الفجر: 1-2].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا يدل على عظمتها، فالله لا يقسم إلا بعظيم.
كما قال تعالى:
> "لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ" [الحج: 28]،
وقد قال جمهور المفسرين: إن "الأيام المعلومات" هي أيام العشر الأوائل من ذي الحجة.
فضلها في السنة النبوية
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
> "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"،
قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء". [رواه البخاري].
وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
> "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده". [رواه مسلم].
فهذا يدل على عظمة هذه الأيام وفضل صيامها وقيامها.
آراء الصحابة والتابعين
قال سعيد بن جبير، وهو من تلاميذ ابن عباس:
> لا تطفئوا سُرجكم في ليالي العشر، كناية عن الإكثار من التهجد والقيام والعبادة.
وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في هذه الأيام يكبّران ويكبّر الناس بتكبيرهم.
وقال الحسن البصري:
> افعل ما استطعت من الخير، فما من وقتٍ أحب إلى الله من أيام العشر.
أعمال يُستحب الإكثار منها في العشر
1. الصيام: خاصة صيام التسعة أيام، وعلى رأسها يوم عرفة.
2. الذكر والتكبير والتحميد: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
> "فأكثروا فيهنّ من التهليل والتكبير والتحميد".
3. قيام الليل: بالصلاة والدعاء والاستغفار.
4. قراءة القرآن: ومحاولة ختمه أو قراءة ما تيسر.
5. الصدقة: وإطعام الطعام.
6. الأضحية: وهي سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم لمن استطاع.
7. بر الوالدين وصلة الأرحام.
8. الدعاء والتضرع: خاصة في يوم عرفة.
يوم النحر: يوم الحج الأكبر
اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم العيد، أعظم الأيام عند الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
> "إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ". [رواه أبو داود].
ويُستحب فيه التكبير، والذبح، وصلة الرحم، والفرح بنعمة الله.
قصة الذبيح: دروس في الطاعة
من أبرز معالم هذه الأيام قصة إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام، حين رأى في المنام أنه يذبحه، فاستجاب كلاهما لأمر الله، وقال إسماعيل:
> "يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" [الصافات: 102].
وهنا تظهر قيم البر والطاعة والتسليم الكامل لله، وهي ليست دعوة لفعل ما يخالف العقل أو الشرع، بل رمزٌ للثقة في الله والانقياد له، وفداه الله بذبح عظيم، فشُرع بعدها الهدي والأضاحي.
رأي العلماء والفقهاء
اتفق العلماء على أن هذه الأيام أفضل أيام العام على الإطلاق، والعمل فيها أعظم أجرًا من الجهاد إلا في حالة واحدة، كما في الحديث النبوي.
قال الإمام النووي:
> يُستحب الإكثار من الأعمال الصالحة في هذه الأيام، فهي موسم خير لا يتكرر إلا مرة في السنة.
وقال ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف:
> أيام العشر أفضل من أيام رمضان، وليالي رمضان أفضل من ليالي العشر
أيها المسلم، لا تحرم نفسك من هذا الفضل العظيم. اغتنم هذه الأيام المباركة بكل ما تقدر عليه من أعمال صالحة، فهي أيام لا تُعوّض، فربما لا تُدركها في العام المقبل. وتذكر أن السنة ليست شيئًا مهملًا، بل هي طريق إلى محبة الله، قال الله تعالى:
> "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" [آل عمران: 31].