بقلم: محمود سعيد برغش
في زمن تتصارع فيه الدول على مصادر المياه، لم يعد مقبولًا أن يُهدر هذا المورد الثمين تحت أقدام المارة وعلى أرصفة الشوارع. في مصر، لم يعد رش الشوارع بالمياه مجرد عادة قديمة، بل تحول إلى فعلٍ يُعاقب عليه القانون بدءًا من 28 مايو 2025، بعقوبة تصل إلى الحبس لمدة 6 أشهر وغرامة قد تصل إلى 20 ألف جنيه.
قرار رسمي.. ودوافع منطقية
لم يأتِ القرار من فراغ، بل هو جزء من سياسة وطنية لمواجهة خطر العطش القادم. مع شحّ الموارد وارتفاع درجات الحرارة وزيادة الضغط السكاني، لم يعد أمام الدولة خيار سوى وقف النزيف المائي، ولو تطلّب الأمر اللجوء إلى أدوات الردع القانوني.
القانون الجديد، المتمثل في مواد من قانون تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي، يُجرّم استخدام مياه الشرب في غير الأغراض المخصصة لها، ويُحذّر من الممارسات العشوائية التي تؤثر على الأمن المائي القومي.
رش المياه.. من عادة محمودة إلى مخالفة مشددة
لطالما ارتبط رش المياه في الشوارع بثقافة محلية هدفها “التهوية” أو “التنظيف”. لكن في ظل ندرة المياه، أصبحت هذه العادة إهدارًا غير مبرر لمورد حيوي. فكل لتر ماء يُسكب على الإسفلت، هو في الواقع نقطة حياة مفقودة.
ترشيد الاستهلاك يبدأ من الوعي
القانون وحده لا يكفي. لا بد من أن تصاحبه حملة توعية مجتمعية شاملة، تغيّر مفهوم النظافة من إهدار إلى مسؤولية، ومن المبالغة إلى ترشيد. المواطن اليوم مطالب بأن يتعامل مع المياه باعتبارها ثروة لا تقل عن البترول أو الغذاء.
رسالة للمواطن.. وموقف من الدولة
لم يعد مقبولًا أن تتحمّل الدولة مليارات الجنيهات سنويًا في محطات تحلية ومعالجة، بينما تُراق المياه أمام البيوت. إن رسالة القانون واضحة: كل نقطة ماء تُهدر ستُقابل بردع قانوني، لكن الرسالة الأهم موجهة إلى الضمير الشعبي: لا تقتل الحياة بسلوك يومي متهور.
في الختام:
إذا كان الماء أصل الحياة، فإن الحفاظ عليه هو أصل الحضارة. وبين قانون يُلزم، ووعي يُوجّه، نستطيع أن نؤسس لثقافة تحترم الماء، وتقدّر نعمة ظلت لعقود تُستخدم دون وعي... حتى قالت الدولة: كفى.