بقلم: محمود سعيد برغش
أصبحت شاشاتنا وهواتفنا أشبه بمسرح مفتوح لعرض حياة الفنانين، وكأن حياة الناس الخاصة تحولت إلى محتوى يومي لا بد من استهلاكه:
"فلان طلق"، "فلانة تزوجت"، "ورثة الفنان الراحل يتنازعون مع أرملته"... وتستمر الحكايات، حتى لم نعد نعرف أين تنتهي الخصوصية، وأين تبدأ الصحافة.
نتساءل بمرارة:
هل اختُزل مفهوم "الخبر" في هذا العصر إلى أخبار الخطوبة والزواج والطلاق؟
هل أصبح الإعلام مجرد "وسيط فضولي" يتلصص على حياة الفنانين وينقلها للناس وكأنها قضايا مصيرية؟
ماذا عن الواقع الحقيقي؟
أين صوت التعليم المنهار؟ أين صرخات المرضى في المستشفيات العامة؟ أين الأمهات اللاتي يفترشن الأرصفة أمام المدارس؟
أين الشباب العاطل الذي يُدفن حيًا كل يوم تحت عبء البطالة؟
لكن للأسف، كثير من وسائل الإعلام اختارت الطريق الأسهل: إعلام التسلية على حساب التوعية، والتريند على حساب التقدير، والفضول على حساب الفضيلة.
بدلًا من أن يكون الإعلام سلطة رابعة تراقب وتحاسب، تحوّل إلى سلعة تروّج لكل ما هو سطحي وفارغ.
أصبحنا نعيش في زمن تُعتبر فيه "صورة فستان زفاف" أو "خلاف على الميراث" أهم من أزمة دواء، أو حادثة انهيار مدرسة!
الإعلام الحقيقي هو من يقف إلى جوار المواطن، لا من يصرف انتباهه.
هو من يفتح الملفات المسكوت عنها، لا من يلاحق الصور والمناسبات.
هو من ينقل الواقع كما هو، لا كما يريده الجمهور "المُبرمج على التفاهة".
نحن بحاجة إلى إعادة تعريف دور الإعلام...
إلى ضمير مهني لا يُباع ولا يُشترى.
إلى رسالة تصنع وعياً لا "مُتابعة".
قبل أن يتحوّل الجمهور كله إلى متفرّج... لا مواطن.