ياسمين يسري ليست مجرد كاتبة؛ إنها صوتٌ ينبعثُ من قلب الريف المصري ليحفرَ طريقه إلى ضمائر الناس، بأسلوبٍ بسيطٍ ولقبٍ واضح. إنها صوت التحدى والقوة والنجاح . وكأنها تقول اناهنا سأواجه الصعاب وسأنتصر رافعة الرأس .
بريقُ التغيير في زمنِ كور ونا
عندما اجتاح وبا ءُ كور ونا العالم، ذلك الوقت لم يكن مجرد تحدٍّ مُهنيٍّ يواجهُ ياسمين بعد تخرجها من كلية التمريض (2017–2019)، بل كانت نقطةَ تحوّلٍ حقيقية. إذ أدركت أن قناع التمريض الأبيض لا يمنعها من ارتداء قناعٍ جديدٍ للكلمات، وأنَّ للصحافة والإعلام سبيلاً آخر لتعميق أثرها في حياة الناس. فقررت أن تحملَ قلمها بدلَ السماعة الطبية، وتنطلقَ في عالمٍ جديدٍ تحلم فيه ياسمين بلمسِ القلوب بمقالٍ أو خبرٍ بسيطٍ وبليغٍ في آنٍ واحد.
الجذورُ الريفية وشغفُ التمريض
تعودُ جذور الكاتبة ياسمين يسري إلى قريةٍ صغيرةٍ حيث الطبيعةُ تُعلّمُ الصبرَ قبل أن يُعلمكَ الكتابُ. التحقت بكلية التمريض عام 2017، وتعلمت كيف تقيّمُ نبض القلب وتخفّفُ ألمَ المريض. لكنّها كانت تستمع لانشغالات الناس ومعاناتهم، فتُسجلُ القصص داخلها، كأنها تزرع للمستقبل بذوراً من الأمل . مثّلت فترةُ الدراسة حقلاً خصباً في دمها، فتجذرت فيه بذرةُ الأحلامِ الأدبية رغم قسوةِ العمل الميداني وتعبِ الساعات الطويلة.
البوصلةُ الجديدة: عالمُ الكتابة والصحافة
بخطواتٍ بسيطةٍ لكنها واثقة، بدأت ياسمين تكتشفُ عالم الصحافة بلا حساباتٍ مُعقدة. كتبت مقالاتٍ قصيرةً على منصّاتٍ إلكترونية محلية، وشاركت في ورشٍ لتعليم أساسيات الكتابة الصحفية. لم يكن لديها دفترٌ كبيرٌ فيه كلماتٌ طويلة، بل استخدمتُ جُملَها اليومية الصادقة لتقريب الصورة إلى قلب القارئ. بهذه الطريقةِ، نجحت في بناءِ أسلوبٍ يعبّرُ عن واقعها وواقعَ مجتمعها في آنٍ واحد.
«غموض أنثى (ما بين المرأة المصرية والفلسطينية)» كان أول فصلٍ تفتحه ياسمين في عالم الكتب. هناك، بدأت ترصدُ حكاياتٍ صامتة؛ قصصَ الألمِ والصمود عند نساءٍ يفترشنَ ذاتَ الأرضِ التي لا تذكر أسماءهن. لم تستخدمْ ألفاظاً غير مألوفة، بل سخّرَت مفرداتٍ بسيطةٍ لتعبّر عن قلقٍ عميقٍ وحلمٍ مؤجل. حمل الكتاب دفءَ التضامن بين شقيقتين في جسدِ وطنين، حتى وصل إلى طبعته الرابعة، كدليلٍ على أن اللغة البسيطة لا تنقصُها قوّةُ التأثير.
لم تكتفِ ياسمين بخبرتها الشخصية؛ بل فتحت ذراعيها لكلِّ من يملكُ حلمَ الكتابة. صارت راعيةً لأصواتٍ شابةٍ تبحثُ عن مكانٍ لها في فضاء الكلمة. راجعت نصوصهم، وقدّمَت لهم ملاحظاتٍ واضحةٍ عن نقاط الضعف والقوة، وكأنها تحرس بذورَ إبداعٍ ينمو في تربةٍ خصبة. إلى جانب ذلك، شاركت في العديد من الفعالياتِ الثقافيةِ والتوعويةِ، حتى أصبحت رعايةُ مهرجان «هيباتيا للثقافة والفنون» في 8 أغسطس 2023، حلماً تحقق على أرض الواقع، ومنصةً جمعت الفنانين والكتاب ليستعيدوا حيويةَ اللقاء والمناقشة بعيداً عن الصمت.
المشاريعُ القادمة: “المتمردة” وبذورُ الرواية الجديدة
بينما تحتفي ياسمين بإنجازاتها السابقة، لا تنطفئُ رغبتُها في خوض مغامراتٍ أدبية أخرى. رواية «المتمردة» القادمة تلوح في الأفق كزهرةٍ شابةٍ تحفّها أوراقُ الحرية. ستكونُ هذه الرواية صوتَ امرأةٍ لم تتردد في كسر القوالب التقليدية، ونافذةً تطلّ بها على تفاصيلٍ يعيشها البعض في صمتٍ واعتقادٍ أن لا مفرّ من الواقع المضطرب. تتوقع ياسمين أن تصل الكلمات إلى قلوب القرّاء بسلاسةٍ وبساطة، مثلما وصلت في كتابها الأول.
رسالةُ ياسمين: البساطةُ طريقٌ إلى القلب
قليلٌ منا يعرفُ كمّ الصعوبات التي يمكن أن تواجه امرأةٍ ريفيةٍ تتسلّقُ سلمَ الصحافة والإعلام. لكن ياسمين أثبتت أن البساطة في اختيار الكلمات لا تعني تقليل القيمة؛ بل إنها مفتاحٌ لقلوبٍ تبحث عن صدقِ التعبير وسهولةِ الفهم. إن رحلتها من جناحِ التمريض إلى مكتب التحرير ومن ثم إلى منصّةِ الإصدارات، تذكّرنا أن الشغفَ بالقلم يكسرُ القيود، وأن لكل صوتٍ مكاناً حتى في أصعبِ الأوقات.
في نهايةِ المطاف، تظلُّ قصةُ الكاتبة المبدعة "ياسمين يسري" دعوةً لكلِّ شابٍ أو شابةٍ: لا تخشَ أن تصل إلى أحلامك مهما بدت متعارضةً مع الواقع المحيط. بل امشِ قَدُماً، قَلِّم شكوكَك، وامسك بقلمكَ لتكتبَ حياتكَ على ورقٍ من الطموح. فالكلمةُ الصادقةُ تزرعُ وردةً في صحراءِ القلوب، وتحييها حين يختفي الأمل.