بقلم: محمود سعيد برغش
لم يعد الإعلام كما كان، منبرًا لنقل الحقيقة، وتعزيز القيم، وبناء الوعي الجمعي، بل تحوّل — في كثير من صوره اليوم — إلى ساحة لصناعة الأوهام، وتسويق التفاهة، وتضخيم الأشخاص بدلًا من الأفكار.
انظر حولك جيدًا؛ الشاشات تضجُّ بأخبار الطلاق والزواج، من غنّى ومن رقص، من ظهر بالحجاب ومن خلعه، من أدّى صلاة العيد في حيٍّ معين، ومن تصدّر "الترند" بلا مضمون ولا رسالة.
مشاهير "التيك توك" ونجوم "السوشيال ميديا" يتصدرون المشهد، يتسابق الإعلام على استضافتهم، يُقدَّمون كقدوات رغم أنهم بعيدون كل البعد عن المعنى الحقيقي للقدوة. يُسمّى ذلك زورًا "فنًّا هادفًا"، و"ترفيهًا راقيًا"، بينما هو — في جوهره — فن استهلاكي، يقتل الوعي ويُفرغ العقول.
فأين الإعلام من قضايا الإنسان الحقيقية؟
أين هو من الفقر الذي يطحن الكادحين؟
من البطالة التي تُطفئ طموحات الشباب؟
من الانهيار الأخلاقي الذي يهدد الأسر؟
من غياب القدوة في زمن المتاجرة بالقيم؟
وأين هو من العظماء الذين غيّروا مسار التاريخ؟
من سيرة رسول الله ﷺ الذي لا يعرف كثير من شبابنا اليوم أسماء زوجاته، ولا أول من آمن به، ولا العشرة المبشرين بالجنة، ولا حتى الفرق بين أبي بكر الصدّيق وخالد بن الوليد، بينما هم يحفظون تفاصيل حياة مغنٍّ أو عارضة أزياء عن ظهر قلب!
متى نُحرر الإعلام من قبضة السوق؟
متى نفهم أن الإعلام لا يُقاس بعدد المشاهدات بل بعمق الرسالة؟
متى يعود الإعلام ليكون ضمير الأمة لا أداتها للتنويم الجمعي؟
نحن بحاجة إلى إعلام يُعلّم قبل أن يُسلِّي، يُوقظ العقول لا يحرّك الغرائز، يُنير لا يُضلل، يُرشد لا يُشوِّش.
نعم، من حق الناس أن ترفّه عن نفسها، لكن ليس على حساب الوعي، والدين، والهوية، والتاريخ.
فهل آن الأوان لبدء التغيير؟
أم سنبقى نُطارد السراب، بينما الحقيقة تُغتال أمامنا في وضح النهار؟