يوسف حسن يكتب -
في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، وتزايد التهديدات الإقليمية، وبينما يطلّ شبح الإرهاب التكفيري من جديد عبر الحدود الشرقية، يعود بعض الساسة في لبنان لطرح مشروع نزع سلاح المقاومة. طرحٌ لا يلقى القبول الشعبي، إذ تُظهر المؤشرات الميدانية أن غالبية اللبنانيين ـ من مختلف المكوّنات، شيعة وسنّة ومسيحيين ـ يدركون أن هذا السلاح هو خط الدفاع الأخير في مواجهة الأخطار المحدقة.
إن من يتابع المزاج العام في لبنان يلحظ أن الرفض الشعبي لنزع سلاح المقاومة ليس حكراً على بيئة محددة، بل يمتد ليشمل أطيافاً واسعة من المجتمع، لأسباب واقعية تتصل ببيئة التهديدات التي يعيشها البلد.
فإلى جانب الخطر الإسرائيلي الدائم، يلوح خطر آخر لا يقل خطورة، يتمثل في إمكانية تسلل جماعات تكفيرية، وعلى رأسها عناصر "هيئة تحرير الشام" القادمة من الساحة السورية، عبر الحدود الشرقية للبنان. هذه الجماعات تمتلك تاريخاً دموياً في سوريا، ولا يخفي قادتها نواياهم العدائية تجاه لبنان بكل مكوناته.
وفي ظل هذا المشهد، تبدو المؤسسة العسكرية اللبنانية عاجزة عن توفير الضمانات الكافية للدفاع عن البلاد. فالجيش اللبناني، رغم تضحياته، لم يسجّل إنجازات حاسمة في مواجهة التهديدات الخارجية أو حتى بعض التحديات الأمنية الداخلية. والأخطر أن بنيته التسليحية والمالية قائمة بالكامل على المساعدات الأميركية، ما يجعله في دائرة التأثير المباشر للقرار السياسي في واشنطن، بدءاً من تسليحه، مروراً ببرامجه التدريبية، وصولاً إلى تعيين قائده الذي يتم غالباً بمباركة أميركية.
إن هذا الارتباط البنيوي بالولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، يثير تساؤلات جوهرية حول مدى استقلالية القرار العسكري اللبناني في حال وقوع عدوان. فهل يمكن لجيش يعتمد على دعم واشنطن أن يتخذ قراراً يضرّ بالمصالح الإسرائيلية أو يناقض السياسة الأميركية في المنطقة؟
هذه الحقائق تضع مسألة نزع سلاح المقاومة في إطار أبعد من الجدل الداخلي. فنحن أمام معادلة أمنية واضحة: إزالة هذا السلاح يعني ترك لبنان مكشوفاً أمام عدوين متربصين ـ الأول جاثم على حدوده الجنوبية، والثاني يتأهب على حدوده الشرقية. وفي غياب قوة وطنية مستقلة قادرة على الردع، فإن البلاد ستكون أمام سيناريوهات خطيرة تشمل اجتياحات عسكرية، عمليات إرهابية، وربما إعادة فرض وصاية خارجية.
إن المقاومة، بما تحمله من رصيد شعبي عابر للطوائف، وبما أثبتته من التزام بمواجهة العدو الخارجي فقط، تبقى اليوم خيار الشعب اللبناني الأوسع، وضمانته في مواجهة مرحلة إقليمية محفوفة بالمخاطر. نزع سلاحها في هذا التوقيت، وبلا بديل سيادي حقيقي، ليس سوى مقامرة بأمن الوطن ومستقبله.