سمير باكير يكتب -
في ظلّ اللحظة المصيرية التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط على وقع حرب غزّة والأزمة الإنسانية التي خلّفتها، توجّهت أنظار المجتمع الدولي إلى قمّة شرم الشيخ. قمّة انعقدت تحت شعار "السلام"، غير أنّ من شارك فيها هم أنفسهم أولئك الذين منحوا، على مدى العامين الماضيين، شرعية للاحتلال والإبادة في غزّة. إنّ قرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالامتناع عن المشاركة في هذا الاجتماع لم يكن عزلةً أو انسحاباً، بل جاء استناداً إلى منطق سياسي وأخلاقي واضح يقوم على ثلاثة محاور رئيسية: صون الكرامة الوطنية، رفض النفاق الدولي، والتمسّك بالحل الحقيقي للقضية الفلسطينية.
الكرامة الوطنية ورفض التعامل مع المعتدين والمحاصِرين
أكّد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في بيان على منصة "إكس"، أنّ الجمهورية الإسلامية لا يمكن أن تشارك في قمّة يحضرها أو يستضيفها من شنّ عدواناً على الشعب الإيراني وهدّده وفرض عليه العقوبات.
هذا الموقف ليس تعنّتاً دبلوماسياً، بل يعكس منطق السياسة الخارجية الإيرانية القائم على أنّ أيّ تواصل لا يقوم على الاحترام المتبادل إنما يعني إضفاء الشرعية على الظلم.
ورغم تقدير طهران لدعوة الرئيس المصري ورغبتها الدائمة في التعاون، فإنّها ترفض الانخراط في إطار يسعى فيه رموز النظام الدولي ـ وخاصة الدول الداعمة للكيان الصهيوني ـ إلى تلميع صورتهم وتبرئة أنفسهم من جرائم غزّة. فمن وجهة نظر طهران، يبدأ السلام الحقيقي بتحقيق العدالة، لا بتمويه الجرائم تحت عباءة "صنّاع السلام".
رفض العروض المسرحية للسلام
تُبرز قراءة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، الخلفيات الحقيقية لقمة شرم الشيخ. فالدول التي صمتت على سقوط أكثر من 70 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح في غزّة خلال العامين الماضيين، تظهر اليوم في موقع "الوسيط".
وترى إيران أنّ مثل هذه المؤتمرات ليست سوى إعادة إنتاج لمنظومة القوة التي صنعت الأزمة أساساً، أي إدارة الأزمة بدلاً من إنهائها عبر معالجة جذورها من احتلال وحصار.
وبامتناعها عن الحضور، أكّدت إيران أنّ المجرم لا يمكن أن يكون حكماً، وأنّ القوى التي مارست النفاق لا يمكنها أن تتخفّى في ثوب الوساطة.
التمسّك بالحل الحقيقي لفلسطين
أشار المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إلى أنّ تأثير إيران في المنطقة لا يُقاس بالحضور الشكلي في المؤتمرات، بل بالفعل السياسي في الشرق الأوسط.
فطهران من أكثر الدول نشاطاً في الضغط السياسي والإعلامي والقانوني على الكيان الصهيوني، ولا تعتبر المشاركة في المحافل الدولية سوى أداة ضمن أدوات عديدة.
هذا الموقف يستند إلى عقيدة "الاستقلال الاستراتيجي في الفعل الإقليمي". فإيران، كما أكد لاريجاني، لا مكان لها في "اجتماعات رمزية منخفضة الفاعلية"، بل في محور المقاومة، وفي الدبلوماسية النشطة داخل منظمة التعاون الإسلامي، وفي دعم الشعوب المقاومة.
التمييز بين سلام مفروض وسلام دائم
شدّد عراقجي على أنّ إيران "قوة أساسية لتحقيق السلام في المنطقة". لكنها لا تقبل بسلام يُفرض على حساب دماء الفلسطينيين، بل تدافع عن سلام عادل ودائم قائم على إنهاء الاحتلال وترسيخ العدالة.
وتشير التجارب في لبنان وسوريا والعراق إلى أنّ التدخل والاحتلال الخارجيين كانا دائماً سبباً في ظهور موجات جديدة من المقاومة. ومن هذا المنطلق، فإنّ قرار عدم المشاركة في شرم الشيخ رسالة واضحة: طهران لا تسعى إلى دور في مسرحٍ سياسي، بل تسعى إلى حماية الأمل وإرادة الشعب الفلسطيني.
لقد أكدت إيران أنّ شرعيتها تستمدّها من "الرأي العام في العالم الإسلامي"، لا من موائد القوى المتدخّلة. وهو قرار يجمع بين الأخلاق والقوة، ويؤكد أن غياب إيران عن شرم الشيخ هو في الحقيقة حضورٌ في وجدان شعوب المنطقة.

