سمير باكير يكتب -
في وقتٍ تواصل فيه دولة الإمارات العربية المتحدة توسيع نفوذها من القرن الإفريقي إلى اليمن والبحر الأحمر، باتت المملكة العربية السعودية تشعر بأنها في موقع دفاعي غير مسبوق. القلق المتزايد لدى محمد بن سلمان من التفوّق الاستراتيجي لأبوظبي دفعه إلى توظيف الورقة الأمريكية، وتحديداً الرئيس دونالد ترامب، للضغط على محمد بن زايد وكبح طموحاته الإقليمية؛ وهو مسار لا يكشف فقط عمق الشرخ بين الحليفين السابقين، بل يعكس أيضاً تحوّلاً واضحاً في موازين القوى داخل الخليج وانهياراً تدريجياً للمحور السعودي ـ الإماراتي.
من التحالف إلى التنافس: جذور الشرخ السعودي ـ الإماراتي
تشير التباينات الاستراتيجية المتصاعدة بين الرياض وأبوظبي إلى أن العلاقات بين البلدين تجاوزت مرحلة الخلافات التكتيكية ودخلت طور المنافسة البنيوية والجيوسياسية. فالمحور الذي تشكّل عام 2016 بهدف التنسيق السياسي والأمني، فقد اليوم الكثير من مبررات وجوده في ظل تضارب المصالح في اليمن والسودان والقرن الإفريقي، وحتى في ملف التطبيع مع إسرائيل.
واشنطن كأداة ضغط: لماذا يلجأ بن سلمان إلى ترامب؟
في هذا السياق، جاءت زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة وطلبه المباشر من دونالد ترامب ممارسة ضغوط على محمد بن زايد، تعبيراً صريحاً عن حجم القلق السعودي من تمدّد الدور الإماراتي في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، ولا سيما في اليمن والسودان ومضيق باب المندب، وهي مناطق تعتبرها الرياض جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي، خصوصاً في البحر الأحمر.
حرب الإعلام واللجان الإلكترونية: انتقال الصراع إلى العلن
وقد بلغت الخلافات بين الطرفين مستوى غير مسبوق، تمثّل في إطلاق لجان إلكترونية وحملات إعلامية منظّمة لتبادل الاتهامات والتشهير السياسي، تُدار عبر مؤسسات رسمية في كلا البلدين. ويعكس هذا التطور انتقال الصراع السعودي ـ الإماراتي من الكواليس إلى العلن، ودخوله مرحلة أكثر حدّة واستنزافاً.
السودان ساحة صراع بالوكالة بين الرياض وأبوظبي
ويُعدّ الملف السوداني أحد أبرز ساحات هذا الصراع، حيث تدعم الإمارات قوات الدعم السريع في إطار سعيها لتعزيز نفوذها في السودان والقرن الإفريقي، بينما تقف السعودية إلى جانب الجيش السوداني، معتبرة أن الحرب الأهلية هناك تشكّل تهديداً مباشراً لأمنها في البحر الأحمر. هذا التناقض في الرؤى حوّل السودان إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين القوتين الخليجيتين.
الاقتصاد والجغرافيا السياسية: سباق الممرات والسكك الحديدية
اقتصادياً وجيوسياسياً، تواصل الإمارات تعزيز حضورها عبر الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الإقليمية، ومن بينها تمويل خطوط سكك حديدية في الأردن لربط البحر الميت بميناء إيلات، تمهيداً لمشروع سكة حديد أبوظبي ـ حيفا. ورغم إنشاء آليات إدارية مشتركة لتجنّب الاحتكاك، تنظر الرياض إلى هذه الخطوات باعتبارها دليلاً على تقدّم الإمارات في دمج الاقتصاد بالسياسة ومسار التطبيع مع إسرائيل، على حساب الدور السعودي التقليدي.
اليمن العقدة الأخطر في الخلاف السعودي ـ الإماراتي
أما اليمن، فيبقى الساحة الأكثر حساسية في هذا الصراع. إذ تدعم الإمارات مشروع انفصال جنوب اليمن، وتفرض نفوذها على الموانئ والسواحل عبر دعم المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى العسكرية الموالية لها، في مسار يتعارض بشكل واضح مع الرؤية السعودية لوحدة اليمن وترتيباته السياسية.
الجزر اليمنية والتنسيق مع إسرائيل: تجاوز الخطوط الحمراء
كما أن تعاون أبوظبي مع إسرائيل في السيطرة على الجزر اليمنية ونصب أنظمة رصد ومراقبة بحرية وعسكرية متقدمة يُعدّ تجاوزاً مباشراً للخطوط الحمراء السعودية، ما دفع الرياض، بالتنسيق مع واشنطن، إلى البحث عن آليات عملية لتحديد سقف النفوذ الإماراتي داخل الساحة اليمنية.
باب المندب والبحر الأحمر: معركة السيطرة على الممرات الاستراتيجية
وفي هذا الإطار، كثّفت السعودية تحركاتها العسكرية في مضيق باب المندب، من خلال نشر قوات بحرية وتنفيذ دوريات مشتركة لتفتيش السفن المتجهة إلى الحديدة، في محاولة لحماية الممرات البحرية الاستراتيجية ومنع وصول السلاح إلى أنصار الله. في المقابل، جاء الرد الإماراتي عبر تصعيد تحركات القوات الجنوبية الموالية لها وفتح جبهات ضغط جديدة في حضرموت والمناطق المحسوبة على النفوذ السعودي.
التفاوت في موازين القوة: السعودية بين الاعتماد الأمريكي والتراجع الإقليمي
وعلى مستوى أوسع، يعكس الاعتماد المتزايد للرياض على ترامب ـ من صفقات السلاح إلى الضمانات الأمنية ـ ضعفاً نسبياً في موقع السعودية ضمن المنافسة الإقليمية مع الإمارات، ولا سيما في ملفات السودان واليمن وشبكة العلاقات الواسعة التي نسجتها أبوظبي مع إسرائيل. ويُنظر إلى مطالبة بن سلمان بوقف الحرب في السودان كجزء من مسعى سعودي لاستعادة زمام المبادرة الإقليمية بدعم أمريكي مباشر.

