يوسف حسن يكتب -
منذ عامين، تواصل إسرائيل ذبح أطفال غزة بالقنابل والصواريخ التي تحصل عليها من أمريكا وأوروبا، وبالجنود الذين تنشرهم على الحدود، وبالتهديدات التي تنفذها بمساعدة حلفائها ضد مصر. تقول الإحصائيات إن 25 ألف طفل فقدوا حياتهم خلال هذين العامين تحت نيران طائرات ومدفعية إسرائيل. منذ أشهر قليلة أيضاً، تم إعلان وقف إطلاق النار من قبل الرئيس الأمريكي ترامب، ويدّعي مهندسوه وسط الضجيج الذي تثيره وسائل إعلامهم أن الهجمات على غزة لم تعد تحدث، أو إذا حدثت فلن تتكرر. ويدّعون أن الطعام والدواء وحليب الأطفال يُرسل إلى أطفال غزة وأنهم لن يعودوا يذوقون طعم الخوف والجوع والمرض. لكن الصور وما يُبث من غزة يحمل رسالة أخرى، وهي أن القنابل والأمطار الغزيرة تتساقط كوابل لا هوادة فيها على خيام النازحين فتدمرها واحدة تلو الأخرى، حتى صارت غزة اليوم بحاجة إلى 300 ألف خيمة بينما لا يتوفر سوى 20 ألف خيمة فقط.
اليوم، إلى جانب وابل المطر والقنابل، يعاني أطفال غزة من ألم آخر، وهو إغلاق طريق مساعدات الإغاثة الإنسانية، حتى قيل إن عدد الشاحنات الداخلة إلى غزة لا يكفي لاحتياجات بضعة آلاف من الناس، فكيف بحال مليوني نازح؟ وهنا، إذا حالف الحظ هؤلاء الأطفال ولم يموتوا تحت نيران الطائرات الحربية الإسرائيلية، فإنهم يفقدون أرواحهم في أحضان أمهاتهم اللواتي لم يعد لديهنّ حتى نفس للبكاء، بسبب البرد والجوع، بينما اسودّت جلودهم من البرد وباتت عظامهم ظاهرة من شدة الجوع.
عندما تعلو الصرخات جراء كل هذه الجرائم والذبح، وعندما تُدان مجازر الأطفال، ترفع إسرائيل وحلفاؤها الغربيون صرخة اتهامهم بالإرهاب، ويدّعون أن هذا الوضع سيستمر حتى يلقوا سلاحهم ويستسلموا. إنهم، بينما يقدمون دفاع غزة المشروع كمسبب لآلام ومعاناة أطفالهم التي لا تحصى، فإن عباءة ادعاءاتهم هذه تسقط بعنف على الأرض على بُعد أمتار قليلة فقط. أين هذا المكان وماذا يحدث هناك؟ على بُعد كيلومترات قليلة تقع الضفة الغربية، حيث لا يمتلك سكانها سلاحاً لإطلاق الصواريخ، ولا توجد هناك حماس حتى تدّعي إسرائيل محاربتها.
إنها منطقة لم تمتلك سلاحاً منذ أوسلو، ومع ذلك اعتقلت إسرائيل متى شاءت، وهدمت المنازل، وواصلت بناء مستوطناتها. ومع هذه الخصائص، أصبحت الضفة الغربية هذه الأيام بؤرةً لتقارير إخبارية تحمل طابع غزة.
فقد أعلنت المنظمة الدولية "أنقذوا الأطفال" أن إسرائيل سجلت هذا العام رقماً قياسياً جديداً في قتل الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية. وشددت المنظمة في بيان نشرته عبر شبكة "إكس": "قبل أسبوعين تقريباً، اضطررنا إلى تعليق جميع فصول التعليم التعويضي وبرامج الدعم النفسي والصحة العقلية للأطفال في مناطق محددة من الضفة الغربية."
هذا وضع الأطفال في الضفة الغربية، وهو إلى جانب كشفه عن الطبيعة الجشعة المجرمة والمحتلة لإسرائيل، يعد فضحة كبرى لأولئك الذين يتشدقون بحقوق الإنسان ويدّعون أن معاناة غزة سببها سلاحها ومقاومتها. إن أطفال الضفة الغربية يروون جرائم تُرتكب ضد كل الفلسطينيين، ويثبتون للجميع أن مشكلة إسرائيل وحلفائها ليست غزة ولا الجماعات المسلحة، بل مشكلتهم هي كل فلسطيني وفلسطينية. إنهم لن يكفوا حتى ينفذوا الخريطة التي عرضها نتنياهو في الأمم المتحدة والتي لم يظهر فيها أي أثر لفلسطين.
ما يرويه أطفال الضفة الغربية هو هذه الحقيقة المرة: إسرائيل تسعى لإراقة دماء كل الفلسطينيين، وصمتنا نحن شعوب وحكومات العالم الإسلامي، والسكوت المتواصل للمنظمات الدولية، ونفاق الغرب ومدّعي حقوق الإنسان، جميعها تشكل حوافز لهذه الجريمة الكبرى.

